ما فتئ المفتون يحرّمون زواج المسلمة مع مسيحي أو يهودي (أهل الكتاب) ويبيحون العكس، مخالفين بذلك نص القرآن الصريح. وهذا يُعدّ بحقّ من الغرائب الإسلامية.
ما هذا التحريم إلا تمييز عنصري ديني مقيت، يتعالى به المسلم على غيره من المؤمنين بالله، وتمييز عنصري جنسي مهين ضد المرأة؛ فهو مبني على أنها خاضعة للرجل وأدنى منه، وأن خضوع المسلمة لا ينبغي إلا لمسلم.
الحق أن العالم واحد والبشر فصيلة واحدة بين الكائنات؛ وقوانين عنصرية مختلقة كهذا... تسهم في تقسيمهم ودق الأسافين بينهم وبث العداوة والبغضاء.
وبما أن هذه مسألة فقهية فيها مجال للاجتهاد، فقد خالفهم قلة من المجتهدين؛ منهم د. حسن الترابي (من أشهر القادة الإسلاميين والمجتهدين في الفكر والفقه الإسلامي)، و د. أحمد صبحي منصور (من أبرز شخصيات تيار أهل القرآن)، وكلاهما له كتب دينية منشورة.
القرآن منع التزاوج مع المشركين والمشركات والكُفّار والكوافر؛ ثم استثنى أهل الكتاب... للجنسين:
"وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ .. وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا .." البقرة 221
".. فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ .. وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ .." الممتحنة 10
"الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ .." المائدة 5
هذا النص من أواخر ما جاء من القرآن؛ أبطل ما قبله ولم يأت بعده ما يبطله.
تبادل مصالح وثنائية لا ريب فيها بين طعامهم وطعامكم، وبين بناتهم وبناتكم.
بما أن "المحصنات من المؤمنات" (المسلمات) كنّ حِلاً للمؤمنين قبل هذا النص؛ فلا داعي لذكرهن فى سياق أن "الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ" ما كان بالأمس حرامًا، إلا لتحليل زواجهن مع أهل الكتاب.
هذا هو الحكم في القرآن، واضح صريح، حتى لو أنكره كل المسلمين.
وهو في نص لاحق، في نفس الصفحة من السورة، أمر بالعدل مع الآخرين، حتى في حالة بغضهم: ".. وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ .." المائدة 8
وليس من العدل أن يقال لهم... نتزوج من بناتكم، لكن لا نزوجكم من بناتنا.
ثم هو في نص لاحق من السورة، يثبت إمكانية وجود مؤمنين من الكتابيين:
"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" المائدة 69
من ينطبق عليهم هذا الوصف، لا يصح اعتبارهم من "الْكُفَّارِ"؛ وهذا يعني أن التحريم في ".. الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ .." لا يشمل جميع الكتابيين. وحيث أن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يأت نص بالتحريم، فلا شك في إباحة زواج المسلمة بالكتابي المؤمن "بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا"؛ ومثل هذا موجود في بعض الطوائف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق