2014-04-03

تعليل العلل 2 [يجب أن نعترف... العلم منحرف]

تتمة مقال تعليل العلل 1 [الحي يحييك والميت يعييك]

صار متوسط عمر الإنسان يقل بعد أن حصل الخلل في انسجامه مع الطبيعة بما يسمى الحضارة. يضاف إلى ذلك الجهل بطرق الوقاية والعلاج الفعال. إن العلم المفضي لتحسين حقيقي للصحة مغيّب، وقد طغى عليه علم الطب الصناعي الرأسمالي الذي يمثل انحرافًا تاريخيًا عن العلم النافع إلى العلم التجاري. ربما زادت أعمار من في الدول الصناعية قليلًا عن مرحلة سابقة؛ لكنها لا تزال دون ال90، مع اعتماد معظهم على أدوية وأجهزة لها مشاكلها؛ بينما يوجد معمرون يتجاوزون ال100 بكثير يتميزون بحياة طبيعية. أثبت العلم أن عوامل ومحفزات الحياة كثيرة ومعقدة، في الأحياء والتربة والماء والجو والشمس وغيرها، وكذلك مضاداتها ومثبطاتها؛ وأن التوازن بين ذلك يتغير بالظروف، وهذا يؤثر على الصحة والعمر. من المهم إطالة العمر، لكن الأهم نوعية الحياة ومدى السعادة بها؛ ويبدو أن معظم الأمراض الجسدية والنفسية منتشر في المدن لا في القرى والمزارع.
لايمكن إنكار أن العلم مكّن من مكافحة بعض الأمراض الوبائية في السابق؛ لكن الأمور مع الوقت أخذت منحًا آخر بتحول الطب إلى استثمار وقيام منشآت هادفة للربح، يهتم عاملوها بتضخيم أرصدتهم لا بإزالة الأمراض التي صارت تكثر وتتنوع بشكل لم يسبق له مثيل بسبب مخالفات وتعقيدات العصر الصناعي. وها هم بلا حياء يستغلون الكثير من المرضى بتكاليف فاحشة، وينتجون ويسوقون علاجات "إدارة المرض" مدى الحياة بدل القضاء عليه. ورغم ذلك يصفون ما هم فيه بالتقدم الطبي؛ فأي تقدم هذا؟
بعد تمكن العلماء من استعمال المجهر، صرنا نعرف أنه تنتشر في الأرض صنوف من بكتيريا نافعة، وأخرى ضارة؛ وأن النافعة تتواجد في المناطق الطبيعية في التربة والسماد؛ ولها دور أساسي في حياة النبات والحيوان، من خلال تحلل العناصر المغذية لها لكي تستفيد منها. وهي تستعمر كذلك الجهاز الهضمي، فتساعد في الهضم؛ وتتعاون مع جهاز المناعة، فتمنع تكاثر البكتيريا الضارة. تجاهل أهل المدن النافعة، وصارو يكافحون الضارة بمواد كيمياوية محدثة. هذه المواد لا تتوافق مع نظام الطبيعة، وتدفع لتطور بكتيريا أشرس وأعند؛ كما تسبب تناقصًا في أعداد النافعة؛ وهذا ما يُعتقد أنه سبب انتشار أمراض المناعة الذاتية (كالمفاصل والغدة الدرقية والقولون) عند أهل المدن. وما يزال العلماء يدرسون تأثيرات العديد من أنواع البكتيريا.
المطلوب توفر الوعي والحكمة للتحرر من الاعتماد على الغذاء التجاري، بإعادة توزّع السكان من المدن التي أقيمت في أماكن عشوائية... إلى المناطق الزراعية غير المستغلة، والعمل فيها بحيث ينتجون من الغذاء ما يكفيهم ويزيد. وهذا العمل ليس شاقًا لو توزع على الناس؛ فمنهم حاليًا من يزرعون بعض الخضار والفواكه ويربّون الدواجن في محيط بيوتهم؛ وما يلزم هو الانتشار والتوسع في ذلك. وفي الأثر: لا خير في أمّة تأكل ما لا تزرع.
لكل شيء سبب؛ وتثبت الدراسات أن أسلوب الحياة، إن تضمّن غذاء وبيئة طبيعيان بلا تلوث والنشاط البدني، له الدور الأكبر في الصحة والعمر؛ ويليه دور الجينات. ودرهم وقاية خير من قنطار علاج.

مما تقدم نستنتج أننا نحن البشر... المسبب الرئيسي للأمراض في هذا العالم؛ وألّا ملجأ ولا منجى إلا في حضن أمّنا... الطبيعة الزراعية العضوية، حيث تأثير الصناعة والتجارة والعمران أقل ما يمكن.
ما كان للأمراض وسوء التغذية أن تتفشى لو أن معظمنا وجّهو جهودهم للزراعة والتغلب على صعوباتها ومشاكلها؛ فإن في الزروع والثمار والأعشاب غذاء ودواء للبشر. لو نفعل ذلك نسلم من أكثر الأمراض، ومن تكاليف ومعاناة المدينة والطب الصناعي. يمكن لذلك أن يتحقق... بانتشار الوعي وسيادة الحكمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق